الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَابَّةً وَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: اخْتَصَمَ قَوْمٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا فَأَسْرَعَ الْفَرِيقَانِ فِي الْيَمِينِ فَأَمَرَ بِهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَكَانَ الَّذِي بَانَ لَنَا مِنْ وَجْهِهِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ ذَيْنِكَ الْخَصْمَيْنِ كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ مُدَّعِيًا عَلَى صَاحِبِهِ تُوجِبُ لَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فِيهَا فَتَكَافَآ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُقَدِّمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا مِنْهُمَا فِي أَخْذِ الْيَمِينِ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ عَلَى صَاحِبِهِ كَرَاهَةَ الْمَيْلِ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ; لأَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ صلى الله عليه وسلم التَّعْدِيلَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَتَرْكَ الْمَيْلِ إلَى أَحَدِهِمَا بِمَعْنَى لاَ يَمِيلُ بِهِ إلَى الآخَرِ مِنْهُمَا فَرَدَّ ذَلِكَ إلَى الإِقْرَاعِ بَيْنَهُمَا; لِتَكُونَ أُمُورُهُمَا تَجْرِي عَلَى مَا يَكُونُ عَنْ تِلْكَ الْقُرْعَةِ مِمَّا يُوجِبُ تَقْدِيمَ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ فِي أَخْذِ حَقِّهِ مِنْهُ كَمِثْلِ مَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ فِي أَزْوَاجِهِ إذَا أَرَادَ سَفَرًا فِي الإِقْرَاعِ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ وَمَا رُوِيَ فِيهِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي مَوْضِعٍ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، تَعَالَى، وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَمَرَ بِهِ الْخَصْمَيْنِ اللَّذَيْنِ أَمَرَهُمَا بِالْقِسْمَةِ بِالاِسْتِهَامِ فِيهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا, وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْحُكَّامِ فِيمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ فِي تَقَدُّمِهِمْ إلَيْهِمْ فِي خُصُومَاتِهِمْ عِنْدَهُمْ إذَا احْتَاجُوا إلَى أَنْ يُقَدِّمُوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِمْ مَعًا أَنْ يُقْرِعُوا بَيْنَهُمْ فِيهِ ثُمَّ يُقَدِّمُونَ مَنْ قَرَعَ عَلَى سِوَاهُ مِنْهُمْ حَتَّى لاَ يَقَعَ فِي الْقُلُوبِ مَيْلُهُمْ إلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَاَللَّهَ، تَعَالَى سُبْحَانَهُ، نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ لاََنْ أَحْلِفَ عَشْرَ مِرَارٍ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ مَرَّةً وَاحِدَةً إنَّهُ لَيْسَ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَعَثَنِي إلَى أُمِّهِ فَقَالَ سَلْهَا كَمْ حَمَلَتْ بِهِ فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ حَمَلْت بِهِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ أَرْسَلَنِي إلَيْهَا الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ سَلْهَا عَنْ صِيَاحِهِ حِينَ وَقَعَ فَأَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ صَاحَ صِيَاحَ الصَّبِيِّ ابْنِ شَهْرَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنِّي قَدْ خَبَأْت لَك خَبِيئًا قَالَ خَبَأْت لِي عَظْمَ شَاةٍ عَفْرَاءَ وَالدُّخَانَ فَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ الدُّخَانَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ الدُّخُّ الدُّخُّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اخْسَأْ فَإِنَّك لَنْ تَسْبِقَ الْقَدَرَ. فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ حِكَايَةَ أَبِي ذَرٍّ عَنْ أُمِّ ابْنِ صَيَّادٍ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ اثْنَيْ عَشَرَ وَلَيْسَ فِيهِ رُجُوعُهُ بِذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيُنْكِرَهُ أَوْ لاَ يُنْكِرَهُ فَنَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ ذَلِكَ فِي هَذَا مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَوَجَدْنَا إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ نُوحٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ لاََنْ أَحْلِفَ عَشْرًا إنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ يَمِينًا وَاحِدَةً إنَّهُ لَيْسَ هُوَ وَذَلِكَ لِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أُمِّ ابْنِ صَيَّادٍ فَقَالَ سَلْهَا كَمْ حَمَلَتْ بِهِ فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ حَمَلْت بِهِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. فَكَانَ فِي هَذَا إخْبَارُ أَبِي ذَرٍّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمِّ ابْنِ صَيَّادٍ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَفْعٌ لِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مُحَالاً لاََنْكَرَهُ عَلَيْهَا وَدَفَعَهُ مِنْ قَوْلِهَا وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى مَا قَدْ قَالَهُ فُقَهَاءُ الأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَمِمَّنْ سِوَاهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الأَمْصَارِ سِوَى هَذَيْنِ الْمِصْرَيْنِ, وَإِنْ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي مِقْدَارِ أَكْثَرِ الْمُدَّةِ فِي ذَلِكَ فَتَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إنَّهُ سَنَتَانِ لاَ أَكْثَرُ مِنْهُمَا وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: هُوَ أَرْبَعُ سِنِينَ لاَ أَكْثَرُ مِنْهَا, وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ قُدَمَاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ, وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ, وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: إنَّهُ يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ مِنْ الزَّمَانِ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رحمه الله وَاحْتَجْنَا عِنْدَ اخْتِلاَفِهِمْ هَذَا إلَى طَلَبِ الأَوْلَى مِمَّا قَالُوهُ مِنْ هَذِهِ الأَقَاوِيلِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ قَالَ: فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَقَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا جَعَلْتُمْ الْحَمْلَ وَالْفِصَالَ ثَلاَثِينَ شَهْرًا لاَ أَكْثَرَ مِنْهَا فَكَمْ تَكُونُ مُدَّةُ الْفِصَالِ مِنْ هَذِهِ الثَّلاَثِينَ شَهْرًا فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ. مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ: حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إذَا وَضَعَتْ الْمَرْأَةُ فِي تِسْعَةِ أَشْهُرٍ كَفَاهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا وَإِذَا وَضَعَتْ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ كَفَاهُ مِنْ الرَّضَاعِ ثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا, وَإِذَا وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَحَوْلاَنِ كَامِلاَنِ لأَنَّ اللَّهَ، تَعَالَى، يَقُولُ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا. وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إذَا كَانَ الْحَمْلُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَفَاهَا مِنْ الرَّضَاعِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا, وَإِذَا حَمَلَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَفَاهَا مِنْ الرَّضَاعِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسِ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُخْرِجْ الْحَمْلَ وَالْفِصَالَ عَنْ الثَّلاَثِينَ شَهْرًا وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ كَانَ عِنْدَهُ لاَ يَخْرُجُ عَنْ الثَّلاَثِينَ شَهْرًا, وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ الْحَمْلُ حَوْلَيْنِ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الثَّلاَثِينَ شَهْرًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ سَأَلَ عَنْهُ بَعْضُ مَنْ سَأَلَ فَقَالَ أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفِصَالُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ, وَأَبْدَانُ الصِّبْيَانِ لاَ تَقُومُ بِهَا؟; لأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ مِنْ الرَّضَاعِ إلَى مُدَّةٍ هِيَ أَكْثَرُ مِنْهَا. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُونَ بَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ السِّتَّةِ الأَشْهُرِ يَرْجِعُونَ إلَى لَطِيفِ الْغِذَاءِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَيْشًا لَهُمْ وَغِنًى لَهُمْ عَنْ الرَّضَاعِ غَيْرَ أَنَّا تَأَمَّلْنَا مَا فِي كِتَابِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ ذِكْرِ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ فَوَجَدْنَا مِنْهُ الآيَةَ الَّتِي قَدْ تَلَوْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذَا الْبَابِ. وَوَجَدْنَا مِنْهُ قَوْلَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَوَجَدْنَا مِنْهُ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ الْمُرَاعَاةُ بِالرَّضَاعِ حَوْلَيْنِ وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لاَ رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ. كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى, قَالَ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ, عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لاَ رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ: فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ قَصَدَ إلَى الرَّضَاعِ بِالْحَوْلَيْنِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُمَا لَهُ عِنْدَهُ مُدَّةٌ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ. فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ فِي الثَّلاَثِ الآيَاتِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ قَائِلٌ: قَدْ ذَكَرْت فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ نَقْلِ أَبِي ذَرٍّ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمِّ ابْنِ صَيَّادٍ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ وَجَعَلْت ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى مَنْ نَفَى أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَابْنُ صَيَّادٍ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ مَخْصُوصًا فِي حَمْلِ أُمِّهِ بِهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ; لِيَكُونَ آيَةً لِلْعَالَمِينَ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ الدَّجَّالُ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ هَذَا الاِحْتِمَالُ يَرْجُو أَنَّهُ الدَّجَّالُ الَّذِي حَذَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام أُمَمَهُمْ مِنْهُ وَذَكَرُوا لَهُمْ أَحْوَالَهُ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا وَادِّعَاءَهُ أَنَّهُ لَهُمْ إلَهٌ وَمُكْثَهُ فِي الأَرْضِ بِمَا يَمْكُثُهُ فِيهَا وَمَنْعَ اللهِ، تَعَالَى، إيَّاهُ مِنْ حَرَمِهِ وَحَرَمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم لِيَقْتُلَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْتُلُهُ فِيهِ. وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي ابْنِ صَيَّادٍ; لأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي حَرَمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم; وَلأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقْتُلْهُ, وَلَوْ كَانَ الدَّجَّالَ نَفْسَهُ لَقَتَلَهُ, وَلَوْ كَانَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ إنَّهُ دَجَّالٌ لَمَا أُنْكِرَ أَنْ يَكُونَ دَجَّالاً وَيَكُونَ بَعْدَهُ دَجَّالُونَ, وَإِنْ تَفَاضَلُوا فِيمَا يَكُونُونَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَيَتَبَايَنُونَ فِيهِ, وَلَكِنَّهُ قِيلَ إنَّهُ الدَّجَّالُ فَعَادَ ذَلِكَ إلَى الدَّجَّالِ الَّذِي هُوَ الدَّجَّالُ وَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَسَنَذْكُرُ مَا رُوِيَ فِيهِ مِنْ الآثَارِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، تَعَالَى،, وَإِذَا أُخْرِجَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالَ الَّذِي ذَكَرْنَا كَانَ كَأَحَدِ بَنِي آدَمَ فِي خَلْقِهِ فِي مُدَّةِ حَمْلِهِ, وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ. وَحَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ قَالَ: ثني أَبُو وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ مُعَيْزٍ السَّعْدِيُّ قَالَ: خَرَجْتُ أَسْقِي فَرَسًا لِي بِالسَّحَرِ فَمَرَرْت عَلَى مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ فَسَمِعْتُهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللهِ فَرَجَعْتُ إلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرْتُ لَهُ أَمْرَهُمْ فَبَعَثَ الشُّرَطَ فَأَخَذُوهُمْ فَجِيءَ بِهِمْ إلَيْهِ فَتَابُوا وَرَجَعُوا عَمَّا قَالُوهُ وَقَالُوا: لاَ نَعُودُ فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ وَقَدَّمَ رَجُلاً مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ النَّوَّاحَةِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ فَقَالَ النَّاسُ: أَخَذْتَ أَقْوَامًا فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ فَخَلَّيْتَ سَبِيلَ بَعْضِهِمْ وَقَتَلْتَ بَعْضَهُمْ فَقَالَ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا فَجَاءَهُ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَرَجُلٌ مَعَهُ يُقَالُ لَهُ ابْنُ وَثَّالِ حُجْرٍ وَافِدَيْنِ مِنْ عِنْدِ مُسَيْلِمَةَ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالاَ أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللهِ؟ فَقَالَ: آمَنْتُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِرَسُولِهِ, لَوْ كُنْتُ قَاتِلاً وَفْدًا لَقَتَلْتُكُمَا فَلِذَلِكَ قَتَلْتُ هَذَا. وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللهِ فَقَالَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ إحْنَةٌ, وَإِنِّي مَرَرْت بِمَسْجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ فَإِذَا هُمْ يُؤْمِنُونَ بِمُسَيْلِمَةَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدُ اللهِ فَجِيءَ بِهِمْ فَاسْتَتَابَهُمْ غَيْرَ ابْنِ النَّوَّاحَةِ فَقَالَ لَهُ سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَوْلاَ أَنَّك رَسُولٌ لَضَرَبْت عُنُقَك وَأَنْتَ الْيَوْمَ لَسْت بِرَسُولٍ فَأَمَرَ قَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ فِي السُّوقِ ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ابْنِ النَّوَّاحَةِ قَتِيلاً بِالسُّوقِ فَلْيَنْظُرْ. حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ يَعْنِي ابْنَ بُكَيْر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثني سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْت عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَاءَهُ رُسُلُ مُسَيْلِمَةَ بِكِتَابِهِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهُمَا وَأَنْتُمَا تَقُولاَنِ مِثْلَ مَا يَقُولُ؟ فَقَالاَ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَا وَاَللَّهِ لَوْلاَ أَنَّ الرُّسُلَ لاَ تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا. فَتَأَمَّلْنَا هَذِهِ الآثَارَ طَلَبَ الْوُقُوفِ عَلَى الْمُرَادِ بِمَا فِيهَا مِنْ رَفْعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوُفُودِ أَنْ لاَ تُقْتَلَ, وَإِنْ كَانَ مِنْهَا مِثْلُ الَّذِي كَانَ مِنْ ابْنِ النَّوَّاحَةِ وَصَاحِبِهِ مِمَّا يُوجِبُ قَتْلَهُمَا لَوْ لَمْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ قَالَ: فِي كِتَابِهِ لِرَسُولِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ بْنِ أَبِي خَلِيفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلاَمَةَ بْنِ سَلَمَةَ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ (ح) وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه أُتِيَ بِقَوْمٍ زَنَادِقَةٍ أَوْ ارْتَدُّوا عَنْ الإِسْلاَمِ وَوَجَدُوا مَعَهُمْ كُتُبًا فَأَمَرَ بِنَارٍ فَأُجِّجَتْ فَأَلْقَاهُمْ وَكُتُبَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ أَنِّي كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ أُحَرِّقْهُمْ; لِنَهْيِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَلاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَسُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إسْرَائِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ كُلُّهُمْ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ, عَنْ أَيُّوبَ, عَنْ عِكْرِمَةَ, قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْمٌ أَحْرَقَهُمْ عَلِيٌّ فَقَالَ لَوْ كُنْت لَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ, وَلَمْ أَكُنْ لِأُحَرِّقَهُمْ بِالنَّارِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُعَذِّبْ بِعَذَابِ اللهِ أَحَدٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا رضي الله عنه فَكَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِهِ. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ, عَنْ إسْمَاعِيلَ, عَنْ مَعْمَرٍ, عَنْ أَيُّوبَ, عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ: فَذَهَبَ ذَاهِبُونَ إلَى أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الإِسْلاَمِ وَجَبَ قَتْلُهُ رَجَعَ إلَى الإِسْلاَمِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ وَجَعَلُوا ارْتِدَادَهُ مُوجِبًا عَلَيْهِ الْقَتْلَ حَدًّا لِمَا كَانَ مِنْهُ قَالُوا كَمَا أَنَّ الزَّانِيَ لاَ تَرْفَعُ عَنْهُ تَوْبَتُهُ حَدَّ الزِّنَا. وَكَمَا أَنَّ السَّارِقَ لاَ تَرْفَعُ عَنْهُ تَوْبَتُهُ حَدَّ السَّرِقَةِ كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ الْمُرْتَدُّ لاَ تَرْفَعُ عَنْهُ تَوْبَتُهُ حَدَّ رِدَّتِهِ وَهُوَ الْقَتْلُ فَكَانَ مِنْ حُجَّتِنَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِمْ فِيهِ أَنَّا وَجَدْنَا اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَمَرَنَا بِإِقَامَةِ حَدِّ الزِّنَا عَلَى الزَّانِي وَبِإِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ عَلَى السَّارِقِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ وَوَجَدْنَا الْمُرْتَدَّ قَدْ صَارَ بِرِدَّتِهِ كَافِرًا وَكَانَ إذَا زَالَ عَنْ الرِّدَّةِ إلَى الإِسْلاَمِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ كَافِرٌ; لأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِالْكُفْرِ لَمَّا كَانَ كَافِرًا فَلَمَّا خَرَجَ عَنْ الْكُفْرِ وَصَارَ مُسْلِمًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لَهُ: كَافِرًا; لأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُسَمَّى مُسْلِمًا فَاسْتَحَالَ أَنْ يُسَمَّى فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ كَافِرًا مُسْلِمًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الآُولَى فَقَدْ وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا, وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ الشِّرْكَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ:، عَزَّ وَجَلَّ، فِي الآيَةِ الآُخْرَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ رُؤْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ النَّصْرِيِّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَ مَوَارِيثَ عَتِيقَهَا, وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي تُلاَعِنُ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمَرْأَةَ تُحْرِزُ وَلاَءَ مَنْ الْتَقَطَتْهُ فَتَأَمَّلْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ مُحْتَمِلاً أَنْ يَكُونَ وَلاَءُ مَنْ الْتَقَطَتْهُ يَجِبُ لَهَا بِالْتِقَاطِهَا إيَّاهُ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إذْ كَانَ لاَ وَلاَءَ عَلَيْهِ لأَحَدٍ كَمَا لاَ نَسَبَ لَهُ مِنْ أَحَدٍ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ سَائِرِ النَّاسِ سِوَاهُ مِمَّنْ لاَ وَلاَءَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ مُوَالاَةُ مَنْ شَاءَ مِنْ النَّاسِ وَيَكُونُ الأَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الَّذِي الْتَقَطَهُ وَكَفَلَهُ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ سَبَبًا لِحَيَاتِهِ فَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَالِيَ سِوَاهُ مِنْ النَّاسِ, إذْ لاَ أَحَدَ مِنْهُمْ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَيَكُونُ الأَوْلَى بِهِ مُوَالاَتَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ كَمِثْلِ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي إسْلاَمِ الرَّجُلِ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مَوْلاَهُ وَمَا صَرَفْنَا إلَيْهِ مِنْ التَّأْوِيلِ لَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا, وَيَكُونُ مَا حَرَزَتْهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الَّذِي الْتَقَطَتْهُ هُوَ مَا يَلْزَمُهُ لَهَا فَيَكُونُ الأَوْلَى بِهِ لِذَلِكَ أَنْ لاَ يُوَالِيَ غَيْرَهَا إِلاَّ أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مَوْلًى لَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَالِيَهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ وُجِدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَجَاءَ بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى أَخْذِ هَذَا النَّسَمَةِ؟ فَقَالَ وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتُهَا فَقَالَ لَهُ عَرِيفُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ قَالَ: أَكَذَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: عُمَرُ رضي الله عنه فَاذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَك وَلاَؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ قَالَ: مَالِكٌ وَالأَمْرُ عِنْدَنَا مِنْ الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ, وَأَنَّ وَلاَءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ. وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْت سُنَيْنًا أَبَا جَمِيلَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ وَجَدْت مَنْبُوذًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَذَكَرَهُ عَرِيفِي لِعُمَرَ فَقَالَ اُدْعُهُ فَجِئْتُهُ فَقَالَ مَالَكَ وَلِهَذَا؟ قُلْتُ وَجَدْتُ نَفْسًا مُضَيَّعَةً فَأَحْبَبْت أَنْ يَأْجُرَنِي اللَّهُ فِيهَا قَالَ: هُوَ حُرٌّ, وَلَك وَلاَؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رحمه الله يَذْهَبُ إلَى أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ رضي الله عنه لأَبِي جَمِيلَةَ فِي لَقِيطِهِ هَذَا: هُوَ حُرٌّ, وَلَك وَلاَؤُهُ أَيْ بِجَعْلِي إيَّاهُ لَك; لأَنَّ لِلإِمَامِ الَّذِي يَدُهُ عَلَى الصَّبِيِّ الَّذِي لاَ وَلاَءَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ وَلاَءَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونَ بِذَلِكَ مَوْلاَهُ كَمَا يَكُونُ مَوْلاَهُ لَوْ وَالاَهُ وَهُوَ بَالِغٌ صَحِيحُ الْعَقْلِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ لِمَا قَالَ وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا يَقُولُونَ فِي اللَّقِيطِ: إنَّهُ حُرٌّ وَيُوَالِي مَنْ شَاءَ إذَا كَبُرَ فَإِنْ لَمْ يُوَالِ أَحَدًا حَتَّى مَاتَ كَانَ وَلاَؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ, وَكَانَ مِيرَاثُهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ, وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً قَبْلَ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا فَعَقْلُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ. وَمَعْنَى مَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه هُوَ حُرٌّ لَيْسَ وَجْهُهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ لَهُ; لأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فِي الْحَقِيقَةِ, وَلَكِنَّ قَوْلَهُ رضي الله عنه هُوَ حُرٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ; لأَنَّ النَّاسَ جَمِيعًا عَلَى الْحُرِّيَّةِ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِخِلاَفِهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي اللَّقِيطِ أَيْضًا مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه الْمَنْبُوذُ حُرٌّ يَعْنِي اللَّقِيطَ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ الَّذِي الْتَقَطَهُ وَالاَهُ, وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ وَالاَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَمَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه هُوَ حُرٌّ كَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه هُوَ حُرٌّ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَفِي قَوْلِ عَلِيٍّ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ الَّذِي الْتَقَطَهُ وَالاَهُ, وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ وَالاَهُ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ رضي الله عنه لأَبِي جَمِيلَةَ لَك وَلاَؤُهُ بِمَعْنَى بِجَعْلِنَا إيَّاهُ لَك لاَ أَنَّ لَك وَلاَءَهُ بِالْتِقَاطِك إيَّاهُ دُونَ مُوَالاَتِهِ إيَّاكَ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.
|